تعتبر عملية اختيار الموضوع الدراسي من اهم القرارات التي يتخذها الطالب في حياته، ولكن كثيرا ما نرى الطلاب يقعون في مطب تغيير موضوع الدراسة رغم أنهم أحيانا يكونوا قد قضوا على مقاعد الدراسة سنة أو سنتين ولربما أكثر.
حول هذا الموضوع اجرى موقع طلاب 48 لقاء مع الموجه الدراسي محمد قدورة وكان لنا هذا الحوار معه:
– نتحدث عن موضوع مهم جدا في الحياة الجامعية وهو موضوع او ظاهرة الانتقال من مجال دراسة الى مجال اخر، بداية هل هناك معطيات دقيقة حول هذه الظاهرة وانتشارها في وسط الطلاب العرب؟ هل فعلا هذه الظاهرة هي اكثر انتشارا بين الطلاب العرب؟ ام ان جميع الطلاب معرضين لها؟
ليس لدي معلومات واضحة، ولكن الطالب اليهودي يمر بعملية تصنيف نفسي ومهني بالجيش والأمر الذي يثري تجربته بشكل كبير وعادة ما يكون هذا المسار المناسب له والذي يستمر به مستقبلا، مع العلم أن امكانيات الارتقاء في السلم الوظيفي خصيصا في المواضيع التكنولوجية تُأخذ هذه التجربة بعين القبول وتعتبرها ذات افضلية على غيرها.
من ناحية نفسية اتوقع ان الحيرة التي تعصف بالطالب العربي هي ذاتها التي تعصف بكل الطلاب من جميع الخلفيات، لكن صندوق الادوات الذي يمتلكه الطالب لحل هذه المعضلة يختلف من طالب لآخر، ومن مجموعة لأخرى. على سبيل المثال دائما ما تعتبر خلفية الوالدين الثقافية والمهنية عاملا مركزيا في مسار ولدهما المهني، كذلك الامر بالنسبة للسمات النفسية والذهنية للطالب، فرص التعليم والعمل المتاحة، غالبا ما تكون هذه العناصر الثلاث هي الاطثر فعالية في اختيار الموضوع الدراسي وما يليها من صعوبات.
– ما هي الاسباب التي تدفع الطلاب الجامعي لأن يترك موضوع دراسته لينتقل لموضوع دراسي أخر؟
بامكاننا الحديث عن محورين اساسيين: مشكلات التأقلم مع موضوع الدراسة والتعليم الجامعي، واشكاليات التقبل النفسي والعاطفي للموضوع. بعض الطلاب يكون تغيره للموضوع نابعا من عدم تأقلمه مع متطلبات الدراسة الجامعية سواء من المهارات الدراسية كمثل التحضير اليومي الالتزام بالمهام وتنظيم الوقت، أو نمط الجو الدراسي الجماعي الذي فيه يفتقد البعد الشحصي الفردي مع المعلم والمحاضر خصيصا في الجامعات والكليات التكنولوجية بشكل اخص. اشكاليات التقبل النفسي عادة ما تكون نابعة من عدم المعرفة والاطلاع المسبق على نوعية ونموذج التعليم في الموضوع الي اختاره الطالب وهذا جانب خطير جدا في الحياة الجامعية، وعدم التهيؤ النفسي والمعرفي المسبق قد يكون من اكبر عوامل الاضطراب والتقلقل في المسيرة الجامعية، والبعض الاخر يمكن ان يكون من عدم القدرة علي الاندماج في بعض مساقات التعليم، هنا تكون نظرة الطالب عامة وساذجة عن الموضوع، وعادة ما يكون مقترنا بمزاجية الطالب أكثر من كونه متعلقا بتقبل الموضوع ككل.
اشكاليات اخرى نسال الله ان يعافينا منها، قد تبدو للوهلة الولى مشكلة عند الطالب، لكن هي بالحقيقة انعكاس لمحيطه الاسري والاجتماعي، مثل مشاكل العائلية التي تلقي بظلالها على الطالب وتاخذ من قدرته على الدراسة والتحصيل العلمي، من أهمها في وسطنا العربي المشاكل الاقتصادية.
وامر آخر الذي يشكل خط احمر في موضوع تنقل الطالب بين عدة مواضيع هو صراع الارادات بينه وبين اس شخص آخر مهم له، سواء كان أب او أم أو اصدقاء او أي آخر مهم، هنا يبرز بشكل أساسي الصراع العاطفي أكثر منه التعليمي، في التوفيق بين الرغبة الذاتية الخاصة وبين المشتتات التي تعصف بقرار الطالب واستقراره على موضوع تعليمي واحد.
نضيف لما تقدم مشكلة عدم توفر علامات تؤهل الطالب لدخول الموضوع الذي يحبه، وعمليا في هذه النقطة بالذات، والتي قصدت ان تكون في آخر ما أذكر رغم اتساع نسبة الواقعين في مجالها، اود ان اقول لكل طالب ان الفرصة أمامه والابواب التي يظنها موصدة هي أبواب وهمية، وهو بحاجة لأمرين اولا التحلي بالصبر، لانه شئنا ام ابينا فالواقع يفرض نفسه على هذا الطالب، ثانيا اذا كان تحصيلك ضعيفا ففكر كيف ترفعه وبسرعة وبدون طرق جانبية وخيالات لها اول ليس لها آخر، خذ سنة تحضيرية، خذ دورة بسيخومتري وادرس بجدية واحترم ارادتك فليس هناك شيء بالمجان، اذا كان الموضوع الذي تريده كمثل الطب وطب الاسنان فاعط لنفسط الفرصة بتحسين مقوماتك، ثم اذا وجدت الوقت يمر دون فائدة، فانصح وبجدية بالسفر للخارج وخصيصا لدولة ألمانيا. ففعلا لدينا طلاب ذوي علامات رائعة لكن لسبب او لآخر لا ينجحون باجتياز اختبارات دخول المواضيع الصحية وعلى رأسها الطب، هؤلاء ممن لديهم علامات عالية ورغبة صادقة، اذا لم ينجحوا بالداخل فليسافروا الى الدول الاخرى، فللمواضيع الصحية سوق عمل فيها تجديد مستمر وتستوعب كميات هائلة، ولا خوف باذن الله تعالى، فالتكلفة المادية ممكن تعويضعها بفترة مقبولة.
اما الطلاب الذين لديهم تصنيف منخفض فلا اجد حرجا من ان نتعامل مع انفسنا بصدق معهم، فلربما قدراتهم تحتاج لصقل وبالفعل هذه الشريحة من الطلاب سرعان ما تفقد الامل، وتضيع في تيه عدم حبها للموضوع ، ولعل النصيحة المناسبة هي ان نتعامل بعقلانية، فان وجد الطالب في نفسع قدرة لتحصيل المؤهل الثاموي خاصته فليفعل، وإلا فليكمل بالموضوع الذي يقبل به ويعطي من نفسه وجهده ما استطاع للحصول على معدل في اللقب الاول ثم يكمل مساره.
– متى تكون هذه الخطوة ناجحة برأيك؟ ومتى تكون في مجازفة؟ ومتى تكون هذه الخطوة فاشلة؟
لا يمكن ضمان النتيجة اطلاقا، فحتى لو كان التغيير نابعا من رغبة الطلب خالصة، من منطلق عقلاني وعاطفي، فان عواقبها غير مضمونة اطلاقا. مثل هذا القرار حتى لو كان من وحي الطالب نفسه، اذا لم يترافق مع توافق اجتماعي من الاسرة ودعم معنوي ومادي، فيمكن ان يكون صعبا جدا للغاية. عادة لضمان سلامة مثل هذا القرار لا بد من تظافر البعد النفسي والادراكي لدى الطالب بثمن هذا التغيير، سواء من بداية تعليمية جديدة، وتحمل معنى ترك فترة من عمر الطالب زمنيا وماديا، ثم تسخيرها في انطلاقة جديدة، آخذا بعين الاعتبار خلاصة التجربة السابقة عاطفيا وعلميا. فيما لو كان التغيير نابعا عن عدم نضوج في المهارات الدراسية فهنا كثيرا ما نعتقد ان هذا امر سهل ويمكن مع الانتقال لموضوع آخر أن نتفادى تلك المطبات التي اودت بالطالب بالموضوع السابق، وهذا خطأ والخطر يكمن في عدم قدرة الطالب على تمييز لب المشكلة. مشاكل الصعوبات الدراسية يمكن ان تكون سهلة ويتحملها الطالب ويغير لوحده من عادات دراسته ويمكن ان تصل لمرحلة تحتاج لاستشارة اختصاصية لانها فد تكون انعكاس لمشاكل نفسية أعمق.
أخطر ما يمكن ان يقع في الطالب هو ان يضيق أفقه بحيث لا ينظر الا الى كرهه للموضوع ورغبته في الانتقال او تمركزه حول ضعفه الدراسي، هذه خطوة غير مفيدة بل على العكس تكرس المشكلة ومن المتوقع ان ينتقل الطالب لموضوعه الجديد بنفس العقلية السلبية، وعندها يحدث ما لا يحمد عقباه بفشل او تعثر جديد.
عند القيام بمثل هذه الخطوة من الضروري أخذ الدوافع بعين الاعتبار، أن يفهم الطالب نفسيته، ان يتخذ هذه الخطوة بترو وحكمة بعيدا عن المهاترات والرياء الذي يضرب ببعض طلابنا من الذين يحبون ان يكونوا في مواضيع تثير احترام الاخرين، فالموضوع والمهنة مستقبلا لا يجلبان السعادة للانسان، بل شعوره بالرضا الداخلي ينبع اول ما ينبع من رسالته الانسانية في تقدمه كفرد منتج وفي المساهمة في بناء المجتمع. واذكر هنا دراسة عن السعادة اثبتت انه ليست مقتنيات الفرد ومتعه الذاتية بقدر ما يتحصل للفرد كم سعادة اثر عطاءه للاخرين.
قد تكون هذه الخطوة فاشلة بالذات عند بعض الشخصيات ذات السمات المستهترة واللامبالية، ففي هذه الحالة ليست الا مجرد ضربا من ضروب الحظ عندهم، او موضوع آخر، ثم موضوع آخر وهكذا دون اتعاظ او تعلم من أخطاء الماضي، هذه الشخصيات خطر محقق على أهلها والمحيطين بها، فهي لا تقيم حدودا لنفسها، وسلوكياتها ليست مدروسة البتة، فهي مضيعة للمال والجهد، والطريق الامثل هي وعظها وارشادها نفسيا عدم دعمها ماديا اطلاقا!!! فعندها وفقط عندها يمكن ان تعود هذه الشخصية لرشدها.
– كيف يمكن تفادي الوقوع في مطب الانتقال من موضوع لأخر
كما قيل درهم وقاية خير من قنطار علاج، فعمليا النضوج النفسي للطالب يشكل حصنا منيعا اتجاه مشكل التاقلم مع موضوع الدراسة ومصاعب التعليم والدراسة. هذا النضوج النفسي يشمل مهارات المواجهة، والمواظبة، والاستمرار في السعي نحو الهدف المحدد، تحمل الصعاب، ضبط النفس، السعي نحو التميز والتحصيل، وعلو الهمة. هناك جوانب أخرى تقع على كاهل الاسرة بالذات الدعم النفسي والمعنوي والمتابعة بالحسنى، فالوالدان يجب ان يكونا على اطلاع بما يدور في خواطر ابنهم دون تعنيف او توبيخ او خجل من ضعف التحصيل، بل على العكس يجب إعمال العقل وتحليل المشكلة بعيدا عن العصبية والخجل من مشاكل الطالب.
واهم ما يمكن الكلام عنه في هذه النقطة بالذات هو الابتعاد ثم الابتعاد عن اصدقاء السوء، ففي حين يوفر الاهل مصروف الطالب وهم غائبون عنه، تكون الفرصة سانحة للذئاب البشرية من بعض الكسالى والمحتالين والغشاشين بالتولف الى الطالب والاحتيال عليه، واهم ما يتم في هذه العملية القذرة هو اضاعة وقت الطالب بالملهيات والكلام الذي لا فائدة منه، وان صح اعتقادي فاعتقد ان هذا المطب هو آفة على الطلاب الجامعيين، فعمليا ومن ناحية احصائية يبدو لي ان قلة من الطلاب التي تعاني من اشكالية نفسية بالمفهوم العاطفي وتقبل الموضوع في حين أن الغالبية العظمى تقع فريسة العادات الدراسية السيئة وغير الناجعة وعلى رأس القائمة تتربع المضار من صحبة أصدقاء السوء.
– في احدى الاستشارات التي وجهت للموقع كان هناك طالبة تسأل وهي في مرحلة التسجيل هل من السليم ان تتسجل لموضوع العلاج بالتشغيل وتدرسه على لسنة ثم تنتقل لموضوع العلاج الطبيعي؟ فبماذا تنصحها؟
لا ادري الى أي مدى يمكن ان يكون حجم الاستفادة، عادة اذا كان كلا الموضوعين متشابهين ويمكن الاعتراف ببعض المساقات تكون هذه الخطوة محمودة، اما فيما لو كان الامر مجرد للتجربة و”ألا أخسر سنة بالبيت”، فعندها أقول لا هذه خطوة عشوائية. يمكن للطالب ان لم يقبل بسبب تحديد الجيل ان يقوم بهذه الخطوة في المواضيع الهندسية والصحية او المواضيع المتقاربة، اذا كانت علامات الطالب غير كافية لدخول الموضوع الذي يريد، فليكن واقعيا ومباشرا ويحدد هدفه بوضوح، فلا يمكن ولنقل من النادر ان يستطيع الطالب التركيز في تعليمه الحالي الاني وفي نفس الوقت أن يرفع مؤهلاته، ودراسة البسيخومتري او البجروت التي تتطلب تركيزا وجهدا، فلماذا نحمل أنفسنا أكثر من طاقتنا، وفي هذا المضمار لعل الاهل هم شركاء في المشكلة، اذ يستلزمهم الموقف بشحذ همة الطالب وتعزيز ثقته بنفسه وتهيأت الجو العام المناسب له، ولا ضير أبدا ان يكمل الطالب بعد تحسين نؤهلاته بعمل ما يوفر منه بعض المال لتعليمه، والله ولي التوفيق.