إذا كان لديك أي اهتمام في الفيزياء الحديثَة، فلا بُدَّ أنّك سمعتَ عن شيء يسمى ببوزون هيغز (أو كما يُسمّى بالإنجليزيّة The Higgs Boson). ولكن ما هو ولمَ هو محطّ اهتمام لدى الفيزيائيين؟ في العام1964، فيزيائيّ بريطانيّ باسم بيتر هيغز اعتمدَ بعض الأفكار التي كانت تشغلُ الفيزيائيين في ذلك الوقت، أضاف رؤية أو اثنتين من عندِهِ، واقترحَ أنَّ هنالك حقلًا من الطاقة يعمّ الكون بأكمَلِهِ، وهذا الحقل يسمّى الآن بحقل هيغز (أو The Higgs Field). السّبب الرّئيسيّ وراءَ افتراضِهِ لوجود هذا الحقل هو أنّنا كُنّا في ذلك الوقت عاجزين عن تفسير الاختلاف في كُتَل الجسيمات دون ذرّيّة (أو Subatomic particles). إذا نظرنا إلى مجموعِ الجسيمات دون الذريّة، فسنرى أنّ بعضها يتمتع بكتلة كبيرة، البعضُ الآخر بكتلة صغيرة، كما أنّنا نرى جسيمات بدون كُتلَةَ على الاطلاق.
{youtube}yuzk42KjHaA{/youtube}
بحسبِ الفرضيّة التي جاءَ بها بيتر هيجز، بمُجرّد تفاعل الجسيمات دون الذرّيّة مع حقل هيغز فإنّها ستكتسبُ كُتلَةً مُعيّنَة، والتي بدورها تتحدّد بمقدار التّفاعل بينَ الجُسيْم والحقل المُقترَحْ. الجسيمات التي تتمتّعُ بكتلةٍ كبيرة، إذًا، تكتسبُ كُتلتها من كثرَة التّفاعل مع حقل الطاقة بينما الجسيمات عديمَة الكُتلَة لا تتفاعل مع الحقلِ على الاطلاق. حتّى نفهم الصورَةَ بشكل أفضل، دعونا نُشبّهُ التّفاعُلَ بينَ حقل هيغز والجسيمات دون الذريّة بتفاعُل الماء معَ السبّاحين.
في مثالنا هذا، الماء سيلعَبُ دورَ الحقل الذي اقترَحَهُ هيغز. البراكودة (أو سمكة العقام كما تُسمّى بالعربيّة)، وبفضل مبنى جسدها الممشوق، فإنّها ستتفاعل بشكل طفيف مع الماء ولذلك ستتحرك بسهولة بالغة في المُحيط المائيّ. ولهذا سمكة العُقام تُمثّلُ الجُسيمات صغيرَة الكتلَة. بالمقابل صديقنا إيدي، والذي يحب أكل الكعك المحلى، يتحرك ببطء شديد في الماء. ولهذا فإنّ إيدي يُمثّلُ الجسيمات ذوات الكتلة الكبيرة والتي تتفاعل بكثرة مع حقل هيغز. أخفّ الجسيمات دون الذريّة المعروفَة لنا هي الإلكترون، أما أكثرها كثافَةً من حيث الكُتلَة فهو الكوارك القمّي (The Top Quark). يُعادِلُ وزنُ الكوارك القُمّي وزنَ ذرّةِ الذّهب، أيّ أنّهُ أثقل من الإلكترون بحوالي 350 ألف مرّة. هذا المُعطى قد يدفع بعضَ النّاسِ إلى الاعتقاد أنّ الكوارك القميّ أكبرُ حجمًا من الإلكترون، ولكنّ هذا الاعتقاد خاطئ. في الواقع، الكوارك القمّي والإلكترون يتميّزان بنفس الحجم، إذ تُشيرُ التّجاربُ والنّظريّات الفيزيائيّة الحديثَة إلى أنّ حجمَ الجُسيْمَينِ صفر تمامًا. الكوارك القُمّي يتمتّعُ بكُتلَةٍ أكبرَ من تلكَ التي يتمتّعُ بها الإلكترون لأنّهُ ببساطة يتفاعل مع حقل هيغز أكثرَ من نظيرِهِ الإلكترون. في حقيقَةً الأمر، نحنُ نؤمن أنّهُ لو لم يكُن هنالك حقلٌ كالذي افترضَهُ هيغز، لن يكونَ لهذه الجسيمات ولا لغيرها أي كتلةٍ على الإطلاق.
الآن، الوسائل الإعلاميّة لا تتحدّثُ عادَةً عن حقل هيغز، ولكنّها تتطرّقُ إلى ما يُسمّى ببوزون هيغز. فما هو وجه الصلة بين حقل هيغز وبوزون هيغز إذًا؟ ببساطَة، بوزون هيغز هو الوحدَة المركزيّة التي يتشكّلُ منها حقل هيجز. لكي نفهم الصلة بينهما بشكلٍ أفضل، دعونا نعودُ مرة اخرى إلى مثال الماء. كُلُّنا يعرفُ ما هو الماء. عندما نغمسُ أنفُسَنا بالماء فإنّنا نشعرُ – طبيعيًا – أنّنا مُحاطون بوسطٍ أو بيئة متّصلَة وبدون أي ثغرات. ولكنّنا نعلم أيضا أنّ الماء هو مُركّبٌ كيميائيّ مُكوّنٌ من جزيئات صغيرَة – ذرّتيّ هيدروجين وذرّة أكسجين أو H2O بالإنجليزيّة. إذا جمعنا هاتين الفكرتين معًا – فكرَة اتّصال الماءِ بعضَهُ ببعضٍ كوسَطٍ واحد وفكرَةَ تكوّنِهِ من ذرّات صغيرَة مُنفصلَة – وأضفنا إلى ذلك الإدراك أنّ الماء يتكوّن من عدد لا يحصى من الجزيئات، عندها بإمكاننا أن نفهَمَ بوزون هيغز وعلاقَته بحقل هيغز. حقل هيغز، الذي يمنَحُ الجسيمات دون الذرية كتلَةً مُعيّنَة، يتكوّنُ من عدد لا يحصى من بوزونات هيغز مُنفصلَة، كما أنّ الماءَ مُكوّنٌ من عدد لا يُحصَى الجزيئات الذريّة المُنفصلَة.
شبكة العلوم العربيّ – قناة علمية على يوتيوب
http://www.youtube.com/user/ArabScienceNetwork
صفحتنا على الفيسبوك:
http://www.facebook.com/ArabScienceNetwork
http://www.facebook.com/ArabScienceNetwork